هكذا كسرت المرأة هيمنة الرجال على القطاع البحري بالجديدة

1
Jorgesys Html test

الطحالب البحرية أو ما يطلق عليه مجازا “الذهب الأحمر” الذي ينتشر بكميات مهمة على طول الشريط الساحلي لمدينة الجديدة، جعل العديد من نساء المنطقة يتجهن نحو مزاولة هذا النشاط البحري الموسمي، رغبة في تأمين ما يسدون به رمقهم و حاجيات أسرهم لبقية أيام السنة، إذ اعتادت نساء الجديدة على مسايرة الطرائق التقليدية في جمع الطحالب أثناء موسم جمع الطحالب الممتد من فاتح شهر يوليوز إلى متم شهر شتنبر من كل سنة، مع ما يرتبط بذلك من فوضى في الاستغلال و التسويق و سيطرة “سماسرة الربيعة” على القطاع، و أيضا الخطورة التي تهدد حياة النسوة العاملات بهذا القطاع. تبرز تعاونية “حوريات سيدي عابد” التي أنشئت بمبادرة من نساء الجديدة العاملات في جمع الربيعة نواحي الجديدة، حيث تحاول جاهدة شق طريقها نحو تحسين ظروف عمل النساء، و جودة منتوجاتهن البحرية التي يجنينها بصعوبة تامة، في خط يتوازى و الوعي الذي تشكل لديهن بأهمية الذهب الذي يستخرجن من قعر البحر.

جمع الطحالب البحرية شر لابد منه.  

“العيالات ديالنا مكايعرفو تا حاجة من غير البحر” هي العبارة التي جاءت على لسان فتيحة فدلاوي الكاتبة بالمجلس الإداري للتعاونية “حوريات سيدي عابد” النسوية بالجديدة، ردا على دخول المرأة المغربية غمار العمل بالقطاع البحري الذي يتميز بقساوته، خاصة في ظل استمرار الهيمنة الذكورية التي لازالت تبسط سلطتها على شريحة كبيرة من المجتمع المغربي، موضحة أن “الربيعة” كانت و لا تزال مصدر الرزق الوحيد للعديد من أسر المنطقة، التي ستجد نفسها دون أدنى دخل متى ما توقف نشاط جمع الطحالب.

هي عبارة بالرغم من اللغة التذمرية التي تلفها و الأسى الذي يرافق فتيحة و هي تنطق بها، إلا أنها بالمقابل تحمل شيئا من الشعور بالفخر تجاه ما حققنه. إذ تضيف في ذات السياق أن كل نساء الجديدة يعملن في جمع الطحالب البحرية، لأنهن تعودن على ذلك منذ الصغر، باستثناء اللواتي تمكن من استكمال دراستهن. موضحة أن التحدي الأكبر كان يتمثل في انتقال النسوة للعمل في إطار جمعوي منظم، و هو ما رفضه العديد من التجار باعتبارهم المستفيد الأول من هذا النشاط البحري.

و تضيف فتيحة “الصعوبات لي كنلقاو فالبحر كثيرة بزاف…حتى العيالات ديال إفريقيا ميقدروش عليها” في وصف لما يواجه المرأة المغربية أثناء جمع الطحالب مقارنة بالعمل البحري للنساء المنحدرات من دول جنوب إفريقيا، و اللواتي تسنى لهن معاينتهن عن قرب خلال معرض أليوتيس الدولي الذي احتضنت فعالياته مدينة أكادير في الفترة الممتدة بين 15 و 19 فبراير 2017.

كما تؤكد فتيحة إن النساء الإفريقيات يكتفين بالدخول إلى البحر حافيات الأقدام لصيد ما تسنى لهن من الأسماك، في حين أن نساء البحر المغربيات وخاصة العاملات في جمع “الربيعة” يجدن أنفسهن مجبرات على الغطس في أعماق البحر، و مواجهة قساوة الجو في الخامسة فجرا و التعب الناجم عن ذلك،  “حنا لي مجربين الغطيس و الفياق فالسروية” تقول فتيحة. مشددة في السياق ذاته أن واقع قطاع الصيد البحري في المغرب يوصف بالقاسي و الشاق بالنسبة للنساء و الرجال على حد سواء، إلا أن طبيعة المنطقة ساهمت في انفتاح النسوة على المجال منذ صغرهن، نظرا لانعدام أنشطة أخرى كالفلاحة أو الصناعة التقليدية.

“حوريات سيدي عابد” توجه النساء نحو عمل أكثر تنظيما.

هي تعاونية نسائية تحمل إسم “حوريات سيدي عابد” تأسست سنة 2012 بنواحي الجديدة، في إطار برنامج تحدي الألفية الذي يدخل ضمن اتفاق مبرم بين المغرب والولايات و المتحدة الأمريكية، و ذلك بغرض توحيد صفوف النساء العاملات في قطاع الصيد البحري، و هو ما تسنى لها من خلال دعم وزارة الصيد البحري و مركز الدراسات الذي ساهم من جانبه في ضمان عدد من الدورات التكوينية لفائدة المنخرطات بالجمعية. و قد جاءت فكرة تأسيسها من طرف ست نساء، لا تملك أي منهن مستوى دراسيا كبيرا  حسب إفادة رئيسة التعاونية ، لكنهن كن على اقتناع تام بضرورة تجاوز المعاناة التي تعترض النساء اللواتي يعملن في جمع “الربيعة”، لتصل في الوقت الحالي إلى 75 منخرطة لكل واحدة منهن تخصصا محددا و وظيفة معينة، مع استمرارها في تلقي طلبات الانخراط.

وتمكنت التعاونية منذ تأسيسها إلى الآن من توفير وحدة لتجفيف الطحالب وتثمين المنتجات البحرية، و لم تقف عند تحسين جودة الطحالب البحرية فحسب، بل تجاوزتها إلى جلب منتوجات بحرية أخرى كبلح البحر أو قنافذ البحر للعمل عليها خارج مواسم جمع الطحالب، وعيا من المتعاونات،  بانعدام أنشطة مدرة للدخل خلال باقي أيام السنة بسبب طبيعة المنطقة.

و بالحديث عن الفرق الذي أحدثه تأسيس تعاونية خاصة بالنشاط البحري النسوي، تقول فتيحة بدلاوي أن العمل في البداية كان مقتصرا على جمع الطحالب و بيعها بطريقة عشوائية، دون عزلها عن الشوائب التي تتخللها و دون تجفيفها أحيانا مخافة أن تفسد، مما كان يفرض على النسوة بيع منتوجاتهن بثمن بخس لا يقارن و العمل الشاق الذي بدلوه في سبيلها.
كما أن نشاط النساء البحري كان مقتصرا على الطحالب، و كانت تطبعه العشوائية التامة، ذلك أن عملية تسويق الطحالب كانت رهينة ب”السمسار ” أو “مول الشكارة” الذي يدفع في أحسن الأحوال أثمنة هزيلة مقابل الكميات الهامة التي يحصل عليها، في حين قد لا يدفع شيئا البتة و يلجأ للماطلة في أحايين كثيرة.
لذلك فإن التحدي الأكبر، الذي واجه النسوة كان متمثلا في صعوبة انتقالهن من العمل الفردي العشوائي إلى الاشتغال في نطاق منظم داخل التعاونية، إلا أنهن سرعان ما تغلبن على ذلك، ليجدن أنفسهن بعد سنوات قليلة و بفضل التدبير الجمعوي المحكم، قادرات على تنظيم العمل و تحسين جودة الطحالب، إضافة إلى العمل على منتوجات أخرى يتم جلبها من مناطق مختلفة، ويساهمن في تطويرها مستخدمين حس الابتكار و الابداع الكامن بداخلهن، إذ يظهر ذلك جليا من خلال اعدادهن لقنافذ البحر دون تجميدها و تخليل سمك الأنشوفة و بلح البحر بطرقهن الخاصة.

مجهودات هامة تُقابَل باحتكار السوق

إن طريقة تعامل النساء مع الطحالب البحرية قد تغيرت عن الطرق الكلاسيكية التي عهدوها في السابق، إذ أصبحت النسوة تتقاسمن فيما بينهن مهام تجميع الطحالب و تجفيفها و تصفيتها من الشوائب، ثم أخذ أوزانها محترمين مواسم الراحة البيولوجية و المعايير الأساسية لضمان جودتها، و ذلك حتى تصمد أمام التقلبات المناخية لوقت أطول. كما أنهن صرن على علم بأهمية هذه الطحالب على المستوى العالمي، بالنظر لاستخداماتها في مستحضرات التجميل و الصناعات الغذائية و الصيدلية ، إلا أن علم المتعاونات، بالاحتكار الجاري في سوق “الربيعة”  يجعلهن يقتصرن على جلب كميات محدودة، و هو ما لحق كذلك بالمنتوجات الجديدة التي أخدن يعملن عليها، إذ أنهن صرن يتجنبن اقتناءها أحيانا مخافة التورط لاحقا في عملية تسويقها.
وبالرغم من كل ما تبدله النسوة في سبيل تحسين ظروف عيشهن و الرفع من قيمة المنتجات البحرية من حيث معايير السلامة و الجودة، إلا أنهن لازلن يعانين من مشاكل عدة فيما يتعلق بالتسويق، نظرا لاحتكار شركة وحيدة لأسواق كل الموانئ المغربية. فنساء التعاونية و بالرغم من أنهن طورن منتوجاتهن بحيث صارت قادرة على الصمود أمام تقلبات المناخ لمدة أطول، إلا أنهن يجدن أنفسهن مجبرات على التعامل مع ذات الشركة، باعتبارها الوحيدة التي تملك “الكوطا” التي تسمح لها باقتناء كميات كبيرة من “الربيعة” على عكس باقي الشركات.

المرأة المغربية نموذج للنجاح في العمل الجمعوي

إن العمل الجمعوي النسوي بالمغرب و تحديدا في قطاع الصيد البحري أخد ينعرج نحو منعطف جديد في الآونة الأخيرة، مما انعكس إيجابا على العمل البحري من حيث شروط السلامة و معايير جودة المنتوجات البحرية.
و بهذا الصدد يوضح محمد المحفوظي المندوب الجهوي لمكتب التنمية و التعاون بأكادير، أن الوزارة الوصية تعمل من جانبها على ضمان استمرار مواكبتها للتعاونيات و توفير التكوينات اللازمة لتطوير معارفهن في القطاع، و هو القطاع الذي لم يعد مقتصرا على الرجال فقط، بعدما اقتحمه العنصر النسوي أيضا، و أبان عن جدية كبيرة في العمل حسب تعبيره، كما فعل من قبل بالنسبة لمجالات أخرى.
مضيفا أن حظوظ النجاح لدى الجمعيات و التعاونيات في القطاع تبدو متوفرة أكثر لدى النساء منها لدى الرجال. مرجحا أن يكون للأمر علاقة بجانب الحكامة و التسيير الذي تجيده المرأة بشكل فطري. خاصة من حيث الالتزام بالضوابط و تفادي الانسياق وراء النزاعات الثنائية بينهن أو الانتماءات السياسية التي من شأنها إبعادهن عن أهداف العمل الجمعوي.

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

تعليق 1

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا