هل تَظلِم وزارة الصيد المعهد الوطني للبحث .. بوضعه في فوهة البركان ؟

0
Jorgesys Html test

أثارت العبارة الواردة في قرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات القلاقل في صفوف المهنيين، خصوصا وأن الوزارة الوصية أقرت ضمن ذات الوثيقة أن مصيدة الأخطبوط الجنوبية تعيش وضعية حرجة وغير مسبوقة للمخزون، والتي تتطلب إتخاد التدابير اللازمة للحفاظ على هذا المخزون، وهي العبارة التي تعيدنا للنبش في نوعية الأزمة التي ضربت المصيدة مع مطلع الألفية الحالية، فهل بالفعل أزمة اليوم هي أعنف من تلك التي تأبى الذاكرة المهنية نسيان تفاصيلها؟

فعودتنا لتلك الفترة يقف بنا على الجهد الكبير الذي كانت تعرفه المصيدة من طرف ألاف القوارب وسفن الصيد، إلى جانب العدد الكبير لوحدات التجميد المغربية والأجنبية، الأمر الذي جعل مصيدة الأخطبوط تدفع ثمن العشوائية التي جعلتها تعيش وضعية غير مسبوقة، خلقت نوعا من التكثل المهني الذي أثمر مصفوفة 2004، بما تحمله من تدابير وقرارات، كان من أبرزها تقليص مجهود الصيد، وحصر عدد القطع البحرية التي تنشط في المنطقة. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التراجع الرهيب للمصيدة المنظّمة بمخطط التهيئة اليوم، والذي يجمع مختلف التدابير التي من شأنها حماية الوسط البحري بما في ذلك نظام للراحة البيولوجية ؟ فهل الوثيقة الصادرة عن وزير الصيد البحري، إقرار ضمني للوزارة الوصية بالفشل في تدبير المصيدة والحفاظ على المكتسبات أمام التحديات التي تعرفها السواحل الجنوبية؟

إنه السؤال الجوهري الذي يجب أن لا نقفز عليه اليوم، ونحن نقرأ الخلاصات والتعديلات التي حملها القرار الجديد ، والذي عاد ليفرّق بين الشمال والجنوب بعد سنوات من الإنسجام، وكأننا أمام سياسة حتى وإن كانت الوزارة قد غلفتها بالأبعاد العلمية ، فإنها لا زالت وفية ل “تطييب الخواطر”، أمام أزمة حقيقية تعاني منها المصيدة اليوم بالسواحل الجنوبية المغربية، وصولا إلى السواحل الموريتانية التي تعيش هي الأخرى على إيقاع التناقص الحاد. وهي الظاهرة التي تتمدد لأسباب بيئية ومناخية من جهة، وللعمل البشري من جهة آخرى في ظل مجهود الصيد المرتفع بمنطقة محدودة، الذي تمارسه مجموعة من الأساطيل، وهو ما يعيدنا حقا لظروف شبيهة بتلك التي كانت تعرفها المصيدة في نهاية التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي.

ونحن نحاول القراءة بحكم تخصصنا الصحفي داخل البحرنيوز، الجريدة التي دأبت على متابعة تطورات المصيدة لما يقارب عقدا من الزمن، كان لا بد أن نلتقط مجموعة من الإشارات التي ميزت الأسابيع القليلة الماضية، لاسيما منها إقرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بأن لا مجال للسياسة في تدبير إستدامة المصيدة، وهو ذات التوجه الذي تبنته الكاتبة العامة لقطاع الصيد، في تدخل رسمي في الجمع العام لجامعة غرف الصيد، وكذا في رد لها على مراسلة للجمعية المهنيةلمجهزي الصيد بأعالي البحار APAPHAM.

هذا التوجه سيظهر بقوة في لقاء وزير الصيد بالهيئات المهنية ببوزنيقة، وهو يضع على شماله مديرة المكتب الوطني للصيد ، وعلى يمينه الكاتبة العامة لقطاع الصيد وبجانبها مدير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، إذ نوه الوزير بالمدير وذكر معرفته المسبقة بوالده الخبير في الميدان الزراعي. أكيد أن هذا ليس هو القصد حتى لا يتم تأويل كلامنا في سياق آخر، وإنما حضور مدير INRH في المنصة الرسمية وضمن لقاء شيء له أن يكون حول التسويق والتوزيع لا غير، يثير نوعا من الفضول حول طبيعة الحضور، حيث يتم إختيار من يشغر كراسي المنصة بعناية خاصة، وبإستشارة مسبقة مع الوزير، فهل يكون هذا الحضور نوع من الدهاء من الوزير لمواجهة أي أسئلة محتملة حول موسم الأخطبوط بالمؤشرات العلمية، أم هو تأكيد على أن الرهان المستقبلي في قطاع الصيد سيكون على البحث العلمي ، وأن المستقبل يفرض هذا التوجه كمركز للقرار المرتبط بتدبير المصايد؟

حضور INRH في المنصة الرسمية أكد في الأصل أن قرار مصيدة الأخطبوط قد تم حسمه بدعم من الوزير طبعا، وهو الخبر الذي تسرّب من كواليس ذات اللقاء، وسارعت بعض المواقع الصحفية إلى إعلان تمديد الراحة البيولوجية إلى ما بعد عيد الأضحى. كما أن الدعم السياسي والإداري الذي يحيط المعهد في أعلى الهرم بقطاع الصيد، يتيح الإستنتاج ان لا مجال لتطييب الخواطر في سياسة الوزير الجديد، وان قوة المعهد بقدر ما يجب أن تتمتع بالإستقلالية التامة، بقدر ما تفرض وجود مواكبة سياسة تتيح للمعهد شجاعة البوح ، وتسمية الأشياء بمسمياتها، خصوصا وأن ثقة المهنيين في المعهد ظلت مهزوزة ومحكومة بمجموعة من المعطيات التي تشكك في إستقلالية القرار لدى الفاعلين المهنيين.

فواقع الحال يفرض أن تكون تقارير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري هي الفيصل في اتخاذ القرارات الوزارية، حيث على ضوء معطياتها تؤسس القرارات وتبنى الإستثمارات؛ لكن يبقى السؤال المحوري هو هل المعطيات التي يرصدها خبراء المعهد بخصوص المصايد هي كافية لإستصدرا قرارات لها تبعات إقتصادية وإجتماعية قبل أن تكون لها إنعكاسات على المصايد في القادم من السنوات على المستويين المتوسط والبعيد، من طينة تمديد الراحة البيولوجية أو إلغاء موسم بأكمله. وإذ كان الأمر كذلك فلماذا لم تملك الوزارة الوصية شجاعة تفعيل توصيات المعهد، التي أكدت التراجع الرهيب للمخزون، وإقرار موسم أبيض؟ فهل كان هناك مجال من المناورة في رزمة الإنتظارات، خصوصا وأن الإدارة جست أراء المهنيين فوجدتها ليس بتلك الدرجة التي تخيف، فأختارت سياسة ربح الوقت والتسويف غير المؤطر، بعد أن تحدث قرارا التأجيل، عن تمديد الراحة البيولوجية دون حديث عن إستئناف موسم الصيد، وهي لغة لم يعهدها الفاعلون المهنيون، فهل الوزارة تحاشت المواجهة بإعلان موسم أبيض، وعمدت إلى إمتصاص الغضب بكسب المزيد من الوقت شمال بوجدور، ورمي الكرة الملتهبة في يد معهد INRH؟

هنا نستحضر إفادة جاءت في مقال سابق لزميلنا عمار الحيحي ربان الصيد مجرب في الصيد الساحلي، أن النتائج التي عادة ما تحملها تقارير المعهد قبل مواسم صيد الأخطبوط، في كثير من الأحيان تأتي مخالفة لما يقابله المهنيون بالمصايد. إذ أبرز الحيحي أن السواد الأعظم من الربابنة يبرزون أن هناك تباين كبير بين المعطيات الواردة في تقارير المعهد وواقع الحال، حيث تتدهور الأحوال الجوية من هبوب للرياح و علو للامواج ما يتسبب في إختفاء الأخطبوط، وما إن تستقر الأحوال الجوية وينخفض علو الامواج و تستقر التيارات البحرية حتى يظهر الاخطبوط مرة أخرى، لكن سرعان ما تعود نفس الاحوال الجوية ليختفي الاخطبوط مرة ثانية.. إشارة الحيحي وجدنا لها إمتدادا لدى عدد كبير من الربابنة في الصيد الساحلي بالجر وكذا في أعالي البحار، فيما يشير المهنيون أن الكوطا التي يتم تخصيصها عادة ما تفشل الأساطيل في تحقيقها بنسب متفاوثة، كما وقع في الموسم الآخير، حيث أن أغلب السفن لم تستنفد سوى 60 إلى 65 في المائة من الكوطا الفردية. وهو ما يحيلنا على أن المؤشرات التي يعتمدها المعهد في بناء خلاصاته العلمية لا تكتسي طابع الشمولية، ما يجعلنا نتساءل هل عمليات المسح التي يقوم بها المعهد تمشّط السواحل بأكملها أم يتم الإقتصار على مناطق دون أخرى؟

الجواب على هذا السؤال يجلعلنا نستحضر ونحن نحاول الربط بين المعطيات لتركيب إستنتاجات، لقاءات كانت تقوم بها الجمعية المغربية لربابنة الرخويات مع نهاية كل موسم صيد، حيث ظلت تعكف على تنظيم لقاءات تجمع ربابنة الصيد في أعالي البحار، ليتم النقاش حول وضعية المخزون، وكيف هو توزيعه الجغرافي، وماهية التحديات التي تواجه المصيدة..؟ حيث يتم الخوض في مجموعة من المعطيات وتقديم الكثير من الملاحظات، التي تتم إحالتها على الإدارة المركزية لقطاع الصيد من أجل التحليل والإستئناس، بل أكثر من ذلك فهذه الجمعية ظلت تنادي بضرورة إشراك الربابنة في البحث العلمي لخبرتهم الميدانية، من خلال نشرات شبه يومية، تتيح التتبع الآني والدقيق للمخزون، حيث تؤكد الجمعية أن الإستعانة بالربابنة سيتيح تدفق الكثير من المعلومات والمعطيات، تخلق طابعا كميا يتيح تصنيف الظواهر، والتعاطي معها في حينها وفق مقاربة آنية تتيح إستباق التحديات، لأن سفن الصيد ستتحول لما يشبه مختبرات عليمة في خدمة البحث العلمي، ربما هذه الإشارة تم إلتقاطها مؤخرا وأصبح المعهد يطلب مساهمة الربابنة، لكن العملية لم تعطي المطلوب منها في خلق أليات حقيقية تزرع الثقة، وتشجع على التواصل الفعّال في ظل الكم الهائل من المعطيات التي تحملها يوميات الصيد والذي يحتاج لتطبيق ذكي يتيح تخزين المعطيات وترتيبها…

فمربط الفرس في تطوير البحث العلمي الموجه للمصايد يبقى مرتبطا بتكتيف الرحلات البحرية للمتابعة الميدانية للمصايد ، والتعرف على خصائصها الجغرافية ومكوناتها الأحيائية وسلاسلها الغدائية، حيث الكل إستبشر خيرا بإنجاز سفينة الأبحاث الأوسيانوغرافية الجديدة “حسن المراكشي” بما كلفته من ميزانية ضخمة ، بإعتبارها ستتيح للمعهد تعزيز برامج التتبع والرصد للصيد البحري، والأوسيانوغرافيا، والبيئة، والمخزون، لتقديم إجابات علمية على مجموعة من الظواهر، المتعلقة بسير عمل النظم الإيكولوجية البحرية، وعوامل تغير الموارد البحرية على المدى القصير والطويل، وهو توجّه تدعمه وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على مستوى ميزانية الاستثمار، التي تم تقديمها في قانوني المالية لسنة 2022. وهو ذات التوجه الذي أكده المعهد من خلال العمل على تنزيل نموذج جديد لتدبير أسطول البحث، ومواصلة نظام الاعتماد لجميع المختبرات العلمية والتقنية، وتوطيد سياسته المتعلقة بتنظيم وإدارة الموارد البشرية.

وعلى سبيل الختم فلا أحد يستطيع أن ينكر اليوم أن الإمكانيات المتاحة للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، هي تفوق بكثير تلك التي كانت متوفرة مع بداية الألفية الحالية، كما أن الخبرة العلمية التي تشكلت للمعهد تجعل منه أرضية خصبة للإستشارة والتوجيه والتأسيس للقرار، شريطة مراجعة سياسته التواصلية الموجهة للفاعلين المهنيين، وإستغلال التقنيات التي أصبحت توفرها قنوات التواصل والإتصال، التي تتيح اليوم للمعهد إستغلال مختلف الإمكانيات الممكنة، بما في ذلك إشراك الوسط المهني بالأساطيل المختلفة في رصد ومعالجة الظواهر المرتبطة بالمصايد. وذلك في إنتظار تعزيز الأسطول العلمي بمزيد من القطع البحرية، للإكتشاف اسرار سواحلنا الممتدة على واجهتين بحريتين، وفسح المجال لمزيد من التطور العلمي، بما يخدم إشعاع المملكة من جهة، وصيانة الموارد من جهة ثاينة، والدقة في توفير المعلومة العلمية من جهة ثالثة، لما لها من قيمة كبيرة في مناخ المال والأعمال.

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا