من يشاهد النقاش القوي حول السمك والمنتوجات البحرية على مواقع التواصل الإجتماعي والإقبال المتزايد على الأصناف البحرية مع بداية الشهر الفضيل، لن يصدق أن قبل سنوات، كانت فئة مهمة من المغاربة يتجنّبون الأسماك في شهر رمضان، خوفا من العطش، حيث أن المعتقد السائد حتى تسعينيات القرن الماضي ومطلع العشرية الأولى من القرن الحالي، كان السمك بعدد من جهات المملكة ، لا يدخل ضمن النظام الغذائي المغربي خلال الشهر الفضيل، مع إستثناءات ببعض المدن المينائية الوسطى والشمالية .
وتعتبر الأسماك من بين المنتوجات التي يكثر عليها الطلب خلال الشهر الفضيل ، بالنظر لقيمتها الغذائية المتنوعة حيث أصبح المغاربة يراهنون اليوم على جعل أطباق السمك ضمن المكونات الأساسية على مائدة الإفطار، والعشاء أحيانا. لكن بالكاد تجد بعض الأسر التي ترى في الأسماك وجبه مناسبة للسحور. حيث أكد أحد الباحثين في علم الإجتماع، أن المجتمع المغربي ظل يضع الأسماك بعيدا عن أولوياته، حتى انه كان في بعض مناطق المغرب في وقت من الأوقات التي مضت ، يعتبر تقديم السمك في وجبة رئيسية عند قدوم ضيوف تقليلا من شأن الضيف، رغم أن السمك يكتسي أهمية غذائية كبيرة ، بل أن أثمنته قد تفوق بكثير أثمنة اللحوم البيضاء والحمراء .
ووفق ذات المصدر فإن في كثير من المناطق الساحلية، نجد الأسماك في المرتبة الثالثة بعد اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء ، فما بالك بمناطق بعيدة عن الساحل. فرفض تقديم الأسماك في الأوقات التي تكتسي أهمية كبرى يرخي بسدوله أيضا على السحور في رمضان، الذي يحضى بنوع من القداسة ، ويعتبر رمزا للبركة في المجتمع المغربي.
غير أن تطور الثقافة الإستهلاكية للمغاربة بعد إحتكاكها بثقافات خارجية يضيف ذات المصدر، أصبح المستهلك يتطلع للمنتوجات البحرية، كما يتضح في الإقبال المتزايد في السنوات الآخيرة، وترجمها من خلال إطلاق مجموعة من الهاشتاكات االتي تنتقذ الأثمنة، في شكل من الإحتجاج، لأننا اليوم أمام مستهلك واع ويعرف قيمة ما يستهلكه لاسيما الأسماك التي استلدها بعلم. وهو ما يدفع في إتجاه تغيير مجموعة من القناعات التي ظلت تحكم علاقة المستهلك المغربي بالمنتوجات البحرية، حتى ولو تعلق الأمر بشهر الصيام في وجبتي الإفطار والسحور .
إطلاق مبادرات قربت السمك من بيوت المغاربة
كثيرون يؤكدون أن نشاط تجارة السمك على السوشل ميديا كان له أثر إيجابي على تعزيز إقبال المغاربة على المنتوجات البحرية ، كما أن الكثير من الواصفات التي أتقنتها نساء مواقع التواصل الإجتماعي ، فتحت الفضول أمام باقي النساء على تجريب حظهن مع الأسماك ، ناهيك عن الدراسات والمقالات التي حولت قناعات المغاربة إتجاه الأسماك ، دون إغفال ما واكب ذلك من إفتتاح عدد كبير من المسماكات المخصصة لبيع الأسماك داخل الأحياء الشعبية .. وهي معطيات فتحت الباب أيضا أمام إطلاق مبادرات من قبيل “الحوت بثمن معقول” التي كرست لمفهوم جديد للإستهلاك خصوصا حين يتعلق الأمر بالسمك المجمد .
المراقبون يؤكدون أن هذه المبادرة التي إنطلقت بفكرة بسيطة كانت ساحة أكادير أوفلا باكادير شاهدة على ميلادها قبل سنوات، على خلفية حملة كانت تدعو إلى مقاطعة الأسماك في رمضان بسبب إرتفاع الأثمنة، حيث كانت الغاية الأولى من المبادرة مواجهة تغوّل الأثمنة ، وقطع الطريق على مختلف السلوكيات التي تخدش تجارة السمك في شهر الصيام، لتجد نفسها مع الوقت أحد الركائز المهمة في تنشيط العرض السمكي في رمضان. حتى أن هؤلاء المتتبعون للشأن البحري، يؤكدون أن هذه المبادرة بما صاحبها من إشعاع إعلامي ، تفوقت على برامج سابقة تم إطلاقها لتعزيز إستهلاك الأسماك من قبيل “حوت بلادي”. خصوصا وأن المبادرة هي تنظلق من مجهزي أعالي البحار يعني المهنيين ، وبمباركة ومواكبة من وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات وبتنسيق مع وزارة الداخلية .
تطور الإستهلاك لم يغير قناعة المغاربة بخصوص السمك على مائدة الصحور
يرى كثيرون من المغاربة في أخذ وجبة السمك ضمن إختيارت مائدة الصحور ضرب من الجنون، رغم ان مجموعة من مناطق المغرب تعتمد اللحوم الغنية بالدهون ضمن إختياراتها في السحور، لكنها بالمقابل ترفض المنتوجات البحرية. وذلك راجع إلى كون السمك إقترن في الموروث الثقافي المغربي، بكونه أحد المسببات الأولى للعطش، خصوصا إذ وضعنا في الحسبان أن الشهر الفضيل، يتزامن مع فصل الربيع حيث تتسم الأجواء أحيانا بالحرارة التي يكون لها إنعكاس على جفاف الجسد.
وأستقت جريدة البحرنيوز تصريحات متطابقة لعدد من المستجوبين بمدينة أكادير كمدينة ساحلية، تملك هامشا مهما من الثقافة البحرية، فإن عددا من هؤلاء نعتونا بالحمق لمجرد سؤالهم حول مدى حضور الأسماك ضمن مائدة السحور، حتى أن منهم من إعتبر سؤالنا سؤالا سادجا ويفتقد للخبرة المرتبطة بالثقافة الغدائية، مسجلين أن الأسماك تتسبب في جفاف الجسد، وتلحق الكثير من العطش بمستهلكيها، تزامنا مع اليوم الرمضاني المتسم بالإمتداد على ساعات طوال، وكدا الأجواء التي تميل إلى الرطوبة والحرارة .
هذا على عكس حضور الأسماك في مائدة الإفطار تؤكد تصريحات المستجوبين، لكون المستهلك يكون أمامه الكثير من الوقت، في شرب العصائر والمياه، ما يجعل قيمتها الغدائية تمتد إلى اليوم الموالي. فيما رحب البعض بتناول السمك شريطة إنتقاء أسماك بعينها، من قبيل السمك الأبيض، وتلافي الأسماك السطحية الصغيرة . وعملنا من داخل البحرنيوز، نقل الاعتقاد السائد لدى المستجوبين، والذين يمثلون طبقات مختلفة من الساكنة المحلية، والقاضي بكون تناول المأكولات البحرية يسبّب العطش في نهار رمضان للصائم، نقلناه إلى بعض خبراء التغذية
خبراء التغذية يبرؤون سمك الصحور من العطش !
قلل خبراء في التغذية تحدث إليهم البحرنيوز ، من مخاوف الصائمين، موضحين أن ما يُضاف إلى السمك من ملح وتوابل وبيكربونات صوديوم، هي التي تسبّب العطش في العادة، نافين أن تكون للمأكولات البحرية مضار أو مشكلات لمتناوليها، أدناها الشعور بالعطش أو الجفاف خلال الصيام.
وحسب أحد أخصائيي التغدية بأكادير، فإن تناول الأسماك خلال وجبة السحور تبقى أمرا واردا، شريطة أن يتم الطهي بطريقة صحية، كالشي والتبخير أو حتى في الطجين، مع تقليل كمية التوابل والملح المضافة إليه، وكدا الإبتعاد عن قلي الأسماك في الزيت، لما له من عواقب صحية خطيرة على الذات الإنسانية سواء في رمضان او خارج رمضان.
وأشار المصدر الصحي أن مستهلك الأسماك، عليه الإكثار من شرب المياه لكون الأسماك تحتوي على نسبة صوديوم عالية، مشيرا أن طرق الطهي المشبعة بالملح أو المعتمدة على القلي بالزيت، هي عوامل من ضمن آخرى مؤدية للشعور بالعطش، والرغبة في شرب السوائل لدى الصائم. كما أكد المصدر في ذات السياق، بأهمية إستهلاك الأسماك خلال الشهر الفضيل، لما تحتويها من فوائد صحية مهمة وضرورية يحتاجها الجسم.
ووعلى العموم فالأسماك أصبحت اليوم من بين المواد الأكثر طلبا خلال شهر رمضان الأبرك، وهو ما يفسر الإرتفاعات التي تعرف أثمنتها خلال الشهر الكريم. حتى أن تجارة السمك بالتقسيط تصبح في شهر رمضان مهنة من لا مهنة له ، بالنظر لأرباحها المضمونة التي يغذيها الطلب المتزايد، ما يتسبب في بزوغ ظاهرة التجار الموسميين سواء في البيع بالجملة أو التقسيط، في غياب قوانين تؤطر هذا النشاط الموسمي على مستوى البيع الثاني وكدا التقسيط.
إن هذه المعطيات يكون لها إنعكاس مباشر على الأثمنة التي تتحكم فيها المزاجية والرغبة في تحقيق الربح، ما يصعّب على عدد من الأسر الولوج لعدد من الأنواع السمكية، التي تبقى بعيدة عن قدرتها الشرائية. فيما تعالت الأصوات الداعية إلى تأمين وصول المستهلك المغربي للمنتوج بأثمنة تفضيلية، وهو ما يفسر الجهود المبدولة في السنوات الآخيرة على المستوى الأفقي والعمودي لضمان التموين السلس للأسواق بخيارات متعددة تجمع بين الأسماك المجمدة والطرية.