آسفي .. واهم من يحصر أزمة بحارة آسفي في بوابة الضمان البحري!

0
Jorgesys Html test

“آسفي ياجوهرة خرجوا عليك ..” بهذه العبارة يلخص بحارة آسفي وضعهم المعاش المعقد، فبعد أن كان الميناء يضرب به المثل على المستوى العالمي في قطاع الصيد البحري كعاصمة للسردين، هو اليوم يجر تبعاث العديد من التحديات المهنية والإجتماعية، التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال حصرها أو محاصرتها ببوابة الضمان البحري، إن لم نقل يؤكد عدد من الفاعلين، أن هذه البوابة هي من افاضت الكأس وعرت على مجموعة من الممارسات والتراكمات، التي ظلت لسنوات تأكل من مجد الميناء، لتكمل بجيوب البحارة.

فخلال الإحتجاجات التي يعرفها الميناء مند الأسبوع الماضي، شكلت التغطية الاجتماعية أحد الشعارات الكبرى التي تم رفعها من طرف البحارة.  لأن تأخر صرف التعويضات العائلية لذوي الحقوق ، وكذا اللخبطة التي تعرفها البوابة، حفزت لغة الإحتجاج، وأشعلت الغضب في صفوف البحارة اللذين كانوا على إستعداد لإشهار الغضب والتدمر، خصوصا وان واقع الحال يؤكد مند عقود المثل البحري الذي يربط البحار بمصوره في البحر، “البحري ما يجف سروالو من الما حتى ينشف جيبو”.  وهي مقولة  تؤكد أن البحار الذي يواجه اليوم أزمة حقيقية في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج،  وتغول أثمنة المحروقات ومعها مختلف معدات الرحلة البحرية وتراجع المصايد التقليدية، هو يواجه ورطة حقيقية، في علاقته بمجموعة من الإلتزامات الإجتماعية، حتى ان البحار المسفيوي، أصبح اليوم يعول على مداخيل لم يكن بالأمس القريب يعيرها إعتبارا،  وإن كانت حقا من حقوقه المكتسبة.

جميل جدا ان يكون هذا الحرص في الترافع على الحق بمفهومه الشامل، بما يضمنه من إلتزامات ومكتسبات، تعد خطا احمر أمام الآخر سواء كان فردا او مؤسسة ، لكن هذا الترافع ، هو يحتاج اليوم للإمتداد  نحو مجموعة من التحديات التي تحتاج اليوم لنقذ ذاتي صريح، لأن البحار الذي يرفع شعارا ضد التهريب ، بإعتباره شعار قوي، يجعلنا في حيرة أمام من سننتقد اليوم،  هل السلطات أم الإدارات المتدخلة، ام المقابيلن، أم المجهزين، أم الأطقم البحرية التي تعد هي صاحبة الحق أولا وآخيرا، إذ ما إستحضرنا خاصية القطاع المبني على المحاصة في توزيع عائدات الصيد، فالبحار هو أول متضرر وهو أول مدخل للإصلاح، في منع التهريب والفقيرة  والصيد غير القانوني وغير المنظم وغير المصرح به…

نعم فالبحار في مفهومه المركب يدفع اليوم ضريبية صمته وتساهله مع مجموعة السلوكيات تورطه على مستوى المشاركة، لأن البحار هو الذي يجب أن يعترض على تصريف مصطاداته في السوق السوداء،  كما أن البحار هو الذي يجب أن يدقق في عملية التصريح والصيد الممنوع، كما انه ذات المكون الذي يجب أن يتحفظ عن مفهوم الفقيرة .. ذلك إذا ما أحببنا مخاطبة الوعي في مفهومه المنتظم..، أما باقي السلسلة فهي تحصيل حاصل في سياق الإنتفاع، لكون البحار هو الذي منح الضوء الأخضر لمختلف الممارسات التي تطال وضعيته الإجتماعية على مستوى  سلسلة القيمة ، ضمن السياق العام الذي يحكم تدبير مصطاداته داخل الميناء، وصولا إلى المصنع أو السوق مهما كانت وجهة هذه المصطادات،  بعض النظر عن السبل والطرق التي يتم عبرها تدبير هذه العملية الشادة والمعقدة، والتي إختفى وراءها الشق الإجتماعي وتلحف بها الفساد، ليتم خلق عدد من المتحكمين الجدد، الذي تحولو بقدرة قادر إلى الأمرين الناهين في الموانئ بل إمتدت أصواتهم لسلطات القرار.

فبالعودة إلى ميناء آسفي حتى لا نخرج عن الموضوع، فقد إستقبل هذا الميناء في سنة 2022، ما مجموعه70281 طنا من مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بقيمة إجمالية بلغت 363,61 مليون درهم ، مقابل 64276 طنا في سنة 2021، بقيمة مالية  إستقرت في حدود 368,78 مليون درهم، وهي مؤشرات رقمية رسمية ترصد نوعا من الإرتفاع المشفوع بمجهود المصالح المتدخلة. غير ان هذه الأرقام عندما نشرناها على موقع البحرنيوز في حينها، تلقت الجريدة مجموعة من الإتصالات المهنية، بل هناك من إختار التعليق على الخبر في صفحتنا على الفيسبوك ، بان هذا الحجم ليس بالضرورة هو الحقيقي لحجم المفرغات، لأن هذا الحجم الذي إختارت المؤسسات ان تشرعنه في زي الرسمية، لا يعني بالضرورة أنه الحجم الحقيقي، فالواقع يؤكد أن هناك حجم كبير من الأسماك لم يمر عبر القنوات الرسمية بعد أن كان ضحية التصريح الناقص، حيث دعا نشطاء حينها سلطات المراقبة إلى تحفيز أدوارها داخل الميناء،  ومنع الكثير من الممارسات التي تتم على مستوى هذه المنشاة الإقتصادية.

لدى فقد يقول البعض أن البحار هو مكون مغلوب على أمره بجميع الموانئ امام “سلطة التآمر” بين الربان والمجهز والمقابل وحتى تلة من التجار وضلوع بعض المتدخلين في تدبير المراقبة والمنتفعين..، فيما تلعب “الأوراق” التي تمر تحت الطبلة، بعد كل رحلة صيد، والتي تقرها ورقة الحساب ويجيزها البحارة  ضمن ما يعرف ب “الديبير” كمبلغ يغلق الأفواه، ويغمض العيون، لكن تغلغل الظاهرة وتناميها بشكل رهيب، يدفع نحو المجهول، ويزحف مع تراجع المصايد وإرتفاع تكاليف الإنتاج ليأكل من الحق، حيث تصبح السوق السوداء والتصريح الناقص “التهريب” هي الأصل على حساب التصريح بالمصطادات، والإيفاء بالواجبات المؤسساتية، ليجد البحار نفسه وهو يتقدم في العمر، نحو التقاعد بمدخول لا يمكن ان يضمن له الحق في العيش الكريم، فالبحار الذي أفنى عمره في خدمة القطاع وطبّع مع مجموعة من الممارسات المرفوضة، وأعان الكثير من المجهزين من خلال السوق السوداء على بناء المراكب وتسلق الكراسي والمراتب، قد ظل  ينتظر ما سيأتيه من الفقيرة أكثر من ما سيأته من المؤسسات التي ترعى التغطية الإجتماعية، وهو ذات الإنتظار الذي يتحول ما بعد التقاعد لما يشبه الإحسان.

أعجبني أحد قدماء البحارة الذي إشتعل رأسه شيبا ضمن ذات الإحتجاجات بآسفي، وهو يتحدث بصوت قوي ضمن شريط فيديو نشرنا تفاصيله على موقع البحرنيوز يطالب بمحاصرة التملص من الحقوق، والكف عن الممارسات الشادة التي أفقرت البحارة ، وأضرت بالمصايد ، وإستغفلت المؤسسات ، كما دعا وهو يقدم صورة نمطية عن البحار “لخدام بدراعو” ، أن النظرة للبحار يجب أن تختلف نظير ما يقدمه من تضحيات، كما ان  سياسة  الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وجب أن تغير من طريقتها في التعامل مع البحارة ، لأن البحار يعمل مند ولوجه لهذه المهنة بشكل دينامي يحتاج للقوة والمناعة البدنية، وهي القوة التي لن تطول بإستمرار وتقدم هذا المسار ، لأن الطاقة البشرية لها سنوات من التوهج ، وتتراجع بشكل رهيب شأنها شأن ممتهني كرة القدم ، فالسن تلعب دورا كلما كان البحار متفانيا ومتقنا وعارفا بخبايا المهنة وصغيرا في السن، كلما كان أنسب لهذا المسار، وبالتالي فإذا كان عمر المجد للاعب كرة القدم يمكن حصره في 15 سنة من الممارسة والإحتراف  بين 19 و34 سنة على الأرجح، فإن البحار يجب ان تحصر هذه الممارسة لديه بين 20 و50 سنة، بمعنى 30 سنة من العطاء الخرافي والمجهود البدني .

لذلك فعموم البحارة وهم يتحدثون عن علاقتهم بالحماية الإجتماعية ، يطالبون حصر نشاطهم المهني في حدود 50 سنة إلى 55 على الأكثر لضمان تقاعد يحترم ضوابط المهنة وتحدياتها. وبما أن هذا المطلب يحتاج لتمثيلية قوية على مستوى التشريع، فإن البحارة يطالبون بعدم إعتماد السنوات الآخيرة لإحتساب أجرة التقاعد ، لأن في سنوات 50 و60 تتراجع القدرة البدنية ويبدا العياء يتسرب للأطراف، ويصبح البحار كعالة على طاقم الصيد ، إن لم يطور من مستواه ويتسلق سلم المسؤولية ضمن الأطقم البحرية، وتنويع أنشطته المهنية لمسايرة تطور السن، وهي خاصية لا تتوفر لجميع البحارة، لأن الكثير منهم هم يعانون اليوم في صمت رهيب، ويواجهون تحديات الحياة بأجور هزيلة جدا، بعد أن اقعدهم المرض ونالت منهم الطبيعة، حيث لايملك البحارة إلا لغة الحصرة على سلوكيات، ربما شكلوا طرف فيها بمجهود خرافي، تم بدله لتأمين صيد وفير في الذي مضى ولسان قولهم “ليت الشباب يعود يوما”.

لسنا هنا في موقع لنجلد البحار ، ولا لنتكالب عليه كما تكالبت عليه دواير الزمان، لكن الحقيقة المرة أن البحار ظل أحد الأطراف التي شكلت،  مع آخرين جبهة امامية لمواجهة الكثير من الجهود الرامية لمحاصرة التحديات المرتبطة بالصيد غير القانوني والتهريب والسوق السوداء، بعد ان ظل المتربصون والوصوليون يعبتون بها، بالطريقة التي تخدم اجنداتهم سواء على مستوى الضغط او التنويم، حتى أن كثير منهم إستسلم لنعمة زائلة،  كما حدث ويحدث مع مجموعة من مشاربع القوانين، كان آخرها مشروع القانون  رقم 95.21 الذي هو اليوم قيد الدراسة والتصويت والذي يروم تحصين وتعزيز الترسانة القانونية الرامية لتضييق الخناق على الصيد غير القانوني وغير المنظم وغير المصرح به ، إذ يحدد مشروع القانون مسؤولية مجموعة من المتدخلين بما فيه الربان في إصطياد أصناف بحرية دون ترخيص ، وكذا التصريح المغلوط ، ويضعه ضمن الشرائح المعنية بالعقوبات المنصوص عليها في هذا المشروع.

لذلك فالبحار يدفع اليوم ثمن التحولات التي تعرفها الحنطة وكذا التمثيلية المهنية في سياق تراجعها على المستوى الترافعي لصالح لغة المصالح التي فرضتها التحديات القطاعية الكبرى، فيما يبقى إصلاح وضعية البحارة خصوصا في الصيد الساحلي، يمر عبر  التخلص من نظام المحاصة في وضعيته الحالية، والإنتصار للعقود المبرمة مع هامش النسبة المئوية في المبيعات كتحفيز، لأن الحصة بمفهومها العرفي لم تعد بتلك الجادبية على مستوى الخدمة الإجتماعية للبحار، الذي أصبح اليوم في حاجة ماسة للترافع الجاد والمسؤول ، وهو أمر لن يستقيم ما لم  يتصالح البحار مع ذاته المهنية الحالية بما يشبكها من تحديات ، تفرض على المراكب النشيطة في الصيد الساحلي التخلص من وضعيتها الحالية والتحول إلى مقاولات لها ما لها وعليها ما عليها، حتى تصبح مدونة الشغل سيدة الحكم والإحتكام، بعد تعثر ميلاد مدونة بحرية تنظم الحقوق وتحمي المكتسبات .

 

  

 

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا