ثقوب سوداء … تستنزف خزينة الدولة ..!!

0
Jorgesys Html test

عبد-اللطيف-مجدوبعبد اللطيف مجدوب: كثيرا ما نبه المغرب ؛ وعلى أعلى المستويات ؛ إلى وجود ثغرة كبيرة ، وآخذة في التعاظم في آليات المراقبة والمحاسبة المالية للموارد المالية العمومية التي تشكل سببا في إنهاك موارد الخزينة العامة للدولة ، بالإختلاس والتستر على مئات الملايين من الدولارات ، عبر التحايل على القانون أو لوبيات ضدا عن القانون نفسه ؛ فأنشأ ؛ لهذا الغرض ؛ أجهزة من قبيل المجلس الأعلى للحسابات ، والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ، وهيئة محاربة الرشوة …إلا أن آليات اشتغالها كانت ؛ في الغالب الأعم ؛ تصطدم بحواجز وهمية أو ذات حساسية من العيار الثقيل ، أو تتعذر بقصور في استقلالية قراراتها ..

وسنحاول في هذه العجالة ؛ وبمقاربة استبيان المؤشرات وليس بمساءلتها من منظور اقتصادي صرف ؛ رصد بعض الثقوب التي تتسرب منها الموارد المالية العامة .. وإلى أي حد يمكن القول بوجود شفافية في تدبير وحكامة المال العام .

تدبير مالية الجماعات المحلية ؛

من المعلوم أن المشرع خول للجماعات المحلية صلاحيات واسعة في تدبير الشأن المحلي ؛ مكنها من التدخل في العديد من المرافق والأوراش ومراقبتها واستخلاص الضرائب والرسوم .. بيد أن تنفيذ مشاريعها ؛ في الإنشاء والتعمير والترميم والمراقبة ؛ لا تمر كلها عبر قنوات شفافة كالإعلان عن مناقصات ، وحتى لو تمت فإن هناك عامل الزبونية حاضر بقوة ، وبالتالي تسند المشاريع ذات الأغلفة المالية الكبيرة إلى شركة/زبون بعمولات يسيل لها اللعاب ..! فإذا كانت تكلفة المشروع ؛ أصلا ؛ محصورة في غلاف مالي بـ 300.0000,00 درهم فإنه يؤول إلى الشركة/الزبون فقط بـغلاف 200.0000,00 درهم أو ما دونه .. وغني عن التذكير أن الآمر بالصرف في كل ميزانية يبدأ عبر والي الجهة ومرورا بالعامل فمجلس الجهة إلى أن تصل (الميزانية) أخيرا إلى الجماعة المحلية ، هذه القنوات كلها هل هي شفافة دائما ؟ أو بعبارة هل أرقام الميزانيات التي تصرف من الوالي إلى جماعة محلية هي نفسها التي يتوصل بها مجلس الجماعة المحلية بدون نقصان أو اقتطاع ؟!

ولاستجلاء ضخامة هذه الأموال التي تستنزف “هدرا” من خزينة الدولة ؛ تكفي عملية حسابية تقريبية بسيطة ، فعدد الجماعات المحلية ؛ على مستوى التراب الوطني وحسب وزارة الداخلية ؛ محدد في 1497 جماعة ، فلو افترضنا أن كل جماعة تصرف أو تحصل ؛ في المعدل السنوي ؛ 700.0000,00 درهم ، فكم ستكون حجم العمولات ، وقبله حجم التسرب المالي من الآمر بالصرف .. وحتى الجماعة المحلية فالمشروع أخيرا ؟ فقد يصل إلى المليار درهم أو يتجاوزه بكثير ، هذا دون احتساب قيمة الأضرار الناجمة عن تنفيذ مثل هذه المشاريع والترميمات ، ذلك أن المقاول/الزبون ؛ هو الآخر ؛ يتستر على حجم هام من الميزانية فينعكس ذلك وبالتالي على المشروع ، وهذا ما يتبدى للعيان من خلال الانهيارات التي تصيب مبكرا الطرق والمعابر والجسور والبنايات بصفة عامة .

التملص من الأداءات الضريبية ؛

غير خاف على أحد ما يشكله هذا الثقب الأسود من محنة للدولة … فهناك ملفات ؛ جديدة وحديثة خاصة بهذا الموضوع ؛ راقدة في رفوف تابعة لوزارتي المالية والعدل ، يتابع فيها أصحابها الذاتيين أو المعنويين بمآت الملايين إما لشركات عقارية أو الصيد البحري أو الاستيراد والتصدير . حاولت الدولة ؛ من خلال أجهزتها المراقباتية ؛ عرض هذه الملفات على أنظار القضاء إلا أن محاولاتها ؛ في الجملة ؛ كانت تبوء بالفشل ، لوجود لوبيات عملاقة وأصحاب نفوذ وازنة ، لا يمكن للزجر أو حتى المراقبة أن تطالهم مما يترتب عنه ؛ وباستمرار ؛ نزيف هذا الثقب بمآت الملايين من الدولارات كل سنة تخسرها خزينة الدولة .

النقل الحضري والتأمين والبطاقات الرمادية ؛

يلاحظ عادة أن شركات النقل الحضري لا تؤمن إلا على نسبة صغيرة من عدد ناقلاتها وحافلاتها داخل المدارات الحضرية ، فمن خلال عقد الصفقات تفوت عمولة كبيرة للخواص مقابل ” غض الطرف ” عن تسديد واجبات التأمين والبطاقات الرمادية لجميع هذه الناقلات والحافلات التي هي في ملك شركة أو خواص . إذن هناك ثقب أسود يستنزف جهود الدولة .

إدارة الجمارك ؛

من المفارقات ؛ في هذا الشأن ؛ أن السلطات العمومية ممثلة في رجال الدرك ، تعترض سبيل أشخاص أغلبهم نساء محملين بسلع لا يتعدى حجمها المالي 300,00 درهم ، قادمين من الناظور أو تطوان لتصادرها .. وليس في مقدورها مطلقا مصادرة سفن بحرية محملة بالسلع والبضائع “مهربة” بحجم ملايير الدراهم سنويا ، هذه البضائع والسلع لا تخضع للمراقبة الجمركية ولا لرسوماتها ، فقط لأن حمولاتها تابعة لأطراف “وازنة في الدولة” ، ولا يمكن لقانون ما أن يجرؤ على متابعة أصحابها . فهناك بضائع ومنتوجات معروضة في أسواق خاصة داخل المغرب وهي لم يؤد عنها ولو سنتيما واحدا ..!

الصيد البحري والثروات البحرية ؛

ليتساءل المرء ، هل جميع سفن الصيد البحري تدفع للدولة ما في ذمتها من ضرائب متعلقة برخص الصيد ، وصيد الأسماك ؟ وهل الصيد في أعالي البحار تراقب مداخيله أو غير خاضع أصلا للمراقبة وبالتالي استخلاص ملايين الملايين ..!

مقالع الرمال ؛

لقد كثر الحديث عن هذا الملف إبان تولي حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة ، فقد واجهت هذه الأخيرة جهات وازنة عسكرية ومدنية ؛ بعضها ينتمي إلى الأقاليم الصحراوية ؛ تستغل في هذه المقالع مساحات ضخمة بدون رخص قانونية أو برخص منتهية الصلاحية ، بعض هذه الثروات ( الكثبان الرملية بشواطئ الصحراء ) تصدر إلى الخارج … ويقدر حجم هذه الأموال التي تخسرها الخزينة العامة للدولة من جراء هذا الملف ما يفوق سنويا 800 مليون دولار !!

بطاقات التموين والبنزين ؛

أغلفة هذه البطاقات “البونات” تعد بمآت الملايين من الدراهم ، موزعة على جميع الوزارات وإدارات الدولة ، حدد المشرع توظيفها في “مصالح الدولة” ، “والمصلحة العامة” ، غير أن الواقع والمعاينة يشهدان بغموض وأحيانا كثيرة بتلاعبات في منح هذه البطاقات ، ذلك أن هناك جهات تعلنها جهارا بأن العديد من محطات الوقود تقبل بصرف وتحويل هذه البطاقات إلى عملة ، فتخسر الدولة ؛ تبعا لهذه المقايضة اللامشروعة ؛ ملايين الملايين .!!

المكتب الشريف للفوسفاط ؛

ما زالت صحافتنا ؛ بمختلف مشاربها ؛ تقف أمام مبنى هذا المكتب والهلع يهز فرائصها ، لكون هذا الأخير وسياسته والقائمين عليه في برج الثريا حيث لا يطالهم أي قانون أو محاسبة أو متابعة ..! وهو يرقد على مئات الملايين من الدولارات ، ترى كم سيضخ منها لحساب الخزينة العامة ؟!

المكتب الوطني للماء والكهرباء ؛

للمرء أن يقدر حجم مداخيل هذا المكتب سنويا ؛ فهي تتجاوز كل التقديرات ، مئات الملايين من الدولارات ، ولكن هل هناك جهات مختصة ؛ في المراقبة والمحاسبة أو المتابعة ؛ يحق لها مواجهة هذا المكتب ؟! إنه لأمر مستبعد لطالما يمتلك سلطات ونفوذ تتجاوز أجهزة الحكومة برمتها !

مكاتب الأعمال الاجتماعية التابعة للوزارات ؛

ترصد لهذه الجمعيات ميزانيات ضخمة في التخييم والتسويق والأسفار ، وهي الأخرى لا يطالها قانون المحاسبة ، وخاصة إذا كانت ذات صلة بوزارات لها نفوذ قوي …

النقل الوظيفي ؛

هناك أسطول ضخم لسيارات الدولة ؛ تتجاوز بكثير ما للدول الأروبية نفسها ؛ حدد المشرع استعمالها في أغراض وظيفية تابعة للمصلحة العامة ، ورصد لها ميزانية يسيل لها اللعاب ؛ جمعت بين التجهيز (الاقتناء) والتزود بالوقود ، وقطع الغيار …الخ …هذه الفواتير تعد بحجم ملايين الملايين ، لكن لا يعدو الأمر إما أنها تستغل أحيانا كثيرة في أغراض شخصية أو أنها تلحق بخاناتها المالية ميزانيات وهمية كاستهلاك البنزين أو قطع الغيار أو تسجل في خانات التجهيز والاقتناء ، ولكنها في أرض الواقع مال في مال ..!!

الموظفون الأشباح ؛

كانت هناك وزارة في عهد إدريس جطو ؛ كوزير أول ؛ أثارت هذا الملف بحدة ، وحاولت النفوذ بقوة القانون إلى هذه الفئة من الموظفين … لكنها آخر المطاف عدلت عن ذلك حينما وجدت أصحابها تربطهم علاقات عائلية ومصاهرات ، وتجارة …بأشخاص نافذين في المشهد السياسي ، والحق يقال بأن كل وزارة وزارة لها في مواردها البشرية هذا المخلوق العجيب الذي يستفيد بجميع حقوق الموظف في الترقية والسلم والإطار ، ولكن لا يشمله قانون التقاعد ، فهو موظف دائم حتى ولو واراه الثرى ..!! إذن كم تبلغ ميزانية تأجير وترقية هؤلاء الموظفين الوهميين ؟ إنها تتجاوز بلا شك ملايير الدراهم سنويا ؛ تعتبر في أرض الواقع استنزافا للمال العام .

أجهــــــــــــزة المــــــــراقبة ؛

في مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات ؛ وهي هيئة عليا للرقابة المالية ذات طابع قضائي ، حملها المشرع مسؤولية الرقابة على الأموال العامة ، بيد أن اختصاصاتها قد لا تمتد إلى محاسبة أشخاص ذاتيين داخل الحكومة أو البرلمان بغرفتيه أو بالإدارات الحكومية ، بحكم موقعهم النافذ .

كما أن هناك الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ، لكن آليات اشتغالها محصورة في ملفات صغيرة على مستوى المدن والقرى ؛ وهي إلى هذا ؛ غير مستقلة في اتخاذ قراراتها ..

الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ومحاربة الرشوة Transparancy إلا أنها محدودة الأثر لا تتجاوز ؛ هي الأخرى ؛ ملفات جد صغيرة أو فقط الاكتفاء بالاحتجاجات الشفوية والكتابية أو التظاهرات مثلما هو عليه الحال بالنسبة للجمعية المغربية لحماية المال العام .

وكخـــــــــــــــــلاصة ؛

فإن هذه الثقوب السوداء التي تستنزف خزينة الدولة ؛ هي من السعة والتعدد ؛ حيث لا يمكن حصر عددها وسعة خطورتها في هذه المحاولة ، بقدر ما هي نماذج للسرطانات التي تهدد جسم المالية العامة للدولة . أما محاولة استئصال أورامها فليس بالأمر الهين بالنظر إلى تمدد تشعباتها إلى حد أصبحت معه بمثابة غدد خبيثة ؛ حاولت هيئات المراقبة والمحاسبة والمتابعة ؛ التي أتينا على ذكرها ؛ التصدي لها وذلك عبر ملفات قضائية ؛ وما أكثرها ، على رفوف وزارة العدل ؛ إلا أن أطرافا وازنة عديدة كانت لها بالمرصاد ؛ بخلق حالات “اللاتنسيق” ، أو “عدم الاختصاص” بين هذه الهيئات نفسها من جهة ، أو بينها وبين وزارة العدل من جهة ثانية .!

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا